منارة المعرفة

رحلة مثيرة في مركز إثراء المعرفة

منارة المعرفة
مركز إثراء بإطلالة جانبية مميزة

يخطو مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، المعروف بإسم "إثراء"، خطوات ثابتة نحو بناء مستقبل معرفي مشرق في المملكة العربية السعودية في عالمنا العربي. إنها ليست مجرد مؤسسة ثقافية، بل هي حيز ينبض بالحياة، حيث تتجلى رؤيتها الطموحة في تمكين المعرفة وتعزيز الإبداع عبر الأجيال. 

عبر برامجه المتنوعة والمبتكرة، نجد "إثراء" ينشر نور المعرفة في كل ركن من أركان المملكة، حيث تصل أصواتها العلمية والفنية إلى كل بيت وقلب، مهيئة المجتمع لمستقبل ينيره العلم ويزدهر فيه الفن والإبداع. ولم يقتصر دورها على تقديم المحتوى الثقافي وحده، بل تجد فيها مواهب تنطلق وأفكار تتفتح، وتسهم بشكل مباشر في تنمية المهارات وتعزيز الإبداع في مختلف المجالات، سواء في الفنون أو العلوم أو الآداب.

بفضل جهودها الملموسة والمثمرة، حصدت "إثراء" عدة جوائز تؤكد على قيمتها ونجاحها في تحقيق أهدافها النبيلة. إنها ليست مجرد مركز ثقافي، بل هي بوابة لعالم مليء بالمعرفة والإبداع، تعزز من مكانة المملكة العربية السعودية في المشهد الثقافي العربي والعالمي. اليوم دعنا نحط الرحال ونسلط الضوء على مركز إثراء المعرفة في المنطقة الشرقية.

مركز إثراء

تعتبر إثراء، المركز الثقافي السعودي، تحفة فنية معمارية مذهلة تقع في أرض المملكة، وقد جعلته مجلة تايم الأمريكية واحدًا من أفضل 100 مكان في العالم. هذا التصنيف يعكس أهمية إثراء كمركز ثقافي يعبر عن التطورات الكبيرة التي تشهدها المملكة في مجالات الثقافة والفن والإبداع، وفقًا لرؤيتها الاستراتيجية لعام 2030.

تمحورت عوامل التصنيف العالمي لمجلة تايم حول الجودة، والابتكار، والإبداع، والاستدامة، والتصميم المعماري المميز، وكل هذه العوامل تجتمع في إثراء بطريقة مذهلة. لقد تصدر إثراء قائمة الترشيحات في منطقة الشرق الأوسط بسبب دوره البارز كمحور ثقافي يعبر عن التواصل مع الثقافات الأخرى، بالإضافة إلى دعمه للمواهب الشابة وتنظيم معارض وفعاليات عالمية. يفتح إثراء أبوابه طوال العام للزوار مجانًا للاستمتاع ببرامجه وفعالياته الثقافية والإبداعية.

تأسيس مركز الملك عبد العزيز الثقافي

تأسس مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، المعروف باسم "إثراء"، من خلال رؤية واضحة وطموحة لشركة أرامكو السعودية، تهدف إلى استغلال الطاقة البشرية المبتكرة كمصدر جديد للتطور والابتكار. يمثل هذا المركز رحلة مستمرة نحو إثراء مجالات الفنون والعلوم والابتكار، بما يعزز من تطور الاقتصاد المعرفي في المملكة العربية السعودية، ويتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030 الثقافية والمعرفية.

وتشير الرؤية إلى أهمية الثقافة والترفيه كعناصر أساسية في جودة الحياة، وتؤكد على دعم المواهب في مختلف المجالات الثقافية والفنية، من الكتاب والمؤلفين إلى المخرجين والفنانين. وتتعهد الرؤية بتوفير خيارات ثقافية وترفيهية متنوعة لتلبية احتياجات الجميع. يعمل مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، بفضل حجمه وقدراته واحترافيته، على تحقيق أهداف الرؤية في هذا السياق، من خلال توفير الدعم اللازم للمواهب في جميع ميادين الثقافة والفن والمعرفة بشكل شامل.

في مايو عام 2008، شهدنا انطلاق مبادرة أرامكو التي وضعت حجر أساسها، وافتُتحت في عام 2018. تم اختيار موقع هذا المركز بعناية فائقة؛ حيث يقع في المكان الذي اكتشفت فيه أول بئر نفط في المملكة. وبما أن البترول كان سببًا رئيسيًا في نهضة الاقتصاد السعودي، جاء هذا المركز ليُعَزِّز مناخاً ثقافياً جديدًا ويُعَدّ مصدر إلهام ودعماً للإبداع.

التصميم المعماري لمركز إثراء

"إثراء" يعتبر واحداً من أبرز الرموز المعمارية في المنطقة الشرقية، حيث يتميز بتصميمه الفريد والمعماري الذي استغرق أكثر من ثماني سنوات لإكماله. يتميز التصميم بأسلوب متدفق ومنحني، حيث يتجنب الزوايا الحادة، مستوحى من التنوع الطبيعي للصخور التي تعبر عن الوحدة في تكوينها. تم تصميم "إثراء" من قبل شركة المعمارية النرويجية "سنوهيتا"، الحاصلة على جائزة التميز في التصميم لعام 2016، وقد نال المركز أيضًا جائزة التميز من المعهد الأمريكي للخرسانة في عام 2019، والتي تُعتبر أعلى فئة من جوائز المعهد.

دعنا نتمتع بجولة ساحرة في مركز اثراء المتواجد في مدينة الظهران، الذي يمتد على مساحة واسعة تبلغ 80 ألف متر مربع. تجول معي وافتح عينيك على تصميمه المعماري الرائع، الذي يجمع بين جاذبية الماضي وروح المستقبل. يتميز هذا المركز بتصميمه المبتكر الذي أبهر شركات عالمية.

يضم المركز مجموعة متنوعة من الأقسام، بما في ذلك مكتبة شاملة، ومسرح رائع يتسع لعدد كبير من الجماهير، وسينما تحتوي على 315 مقعداً، ومعرض طاقة، وغيرها من المرافق الثقافية والترفيهية المميزة. يتألف المركز من بناء رئيسي يتألف من أربع طوابق، بالإضافة إلى برج المعرفة المكون من 18 طابقاً، ومختبر للأفكار على ثلاثة طوابق، ومتحف يضم أربع صالات عرض مذهلة. كما يحتوي المركز على مكتبة ضخمة تتألف من أربعة طوابق، تحتوي على 270 ألف كتاب مطبوع باللغتين العربية والإنجليزية، بالإضافة إلى 10 آلاف كتاب صوتي ورقمي، ومواد تعليمية متنوعة تهدف إلى تعزيز ثقافة القراءة والمعرفة.

التصميم المعماري لمركز إثراء

هذا المركز أنشئ بهدف تعزيز الثقافة والإبداع، ودعم جميع المواهب الشابة في مجالات الفن والابتكار. تمت مراعاة توفير الخدمات بشكل مجاني لجميع الزوار من أبناء المملكة، وذلك بمبادرة حكومية تهدف إلى بناء مستقبل واعد ومتقدم. يضم المركز عدة أقسام تخدم هذا الهدف، مما يعكس التزام الحكومة بتحقيق تطور حضاري وثقافي يعود بالنفع على المجتمع بأسره.

  • منارة للمعرفة 

في سماء الظهران، تعلو منارة المعرفة بارتفاع يقدر ب 90 مترًا، تعَدُّ أول مؤسسة من نوعها في المملكة العربية السعودية. تضمُّ تحت سقفها برامجًا متعددة تهدف إلى خلق تأثير إيجابي وملموس في المجالات المعرفية والثقافية، من خلال تنمية المهارات المحلية في الصناعات المعرفية والابتكارية. يتميَّز مركز إثراء بتصميم معماري يحمل دلالات رمزية قوية، يتمازج مع التقنيات الحديثة. كما يجمع بين أساليب تعليم فريدة وبرامج إثرائية، فهو منصة إلهام للباحثين والمتعلمين والمبدعين والقادة. بوصفه مركزًا حيويًا للمعرفة والابتكار والتفاعل الثقافي، يساهم في دعم الشعب السعودي الذي يسعى جاهدًا نحو بناء اقتصاد يعتمد على المعرفة.

  • برج المعرفة

يضم برج المعرفة 18 طابقًا مليئة بالمرافق التعليمية، حيث سيتم تقديم أحدث الدورات التعليمية في مجموعة واسعة من المواضيع الدراسية. سيكون المركز موطنًا لألفي ورشة عمل سنويًا في مجالات STEM، بالإضافة إلى الفنون والوسائط المتعددة وبرامج بناء المهارات. سيتم تطوير محتوى هذه الورش بالتعاون مع أفضل المؤسسات التعليمية العالمية، مع المؤسسات المحلية المتخصصة.

ورغم توجيه ورش العمل بشكل خاص نحو الشباب، إلا أنها تقدم برامج متنوعة لكافة الأعمار والمجالات. تهدف هذه البرامج إلى توسيع مدى المعرفة والإثارة الفكرية لدى الأفراد، حيث ستصل إلى 80 ألف متعلم سنويًا من خلال تقديم نصف مليون ساعة تعليمية. سيتم تشجيع التعلم وتبادل المعرفة بطريقة تعزز قيم المواطنة وتحترم التنوع وتعزيز ثقافة التطوع وتعزز حب المعرفة في المجتمع.

ولن يقتصر دور المركز على العالم الواقعي فقط، بل سيمتد تأثيره إلى العالم الرقمي من خلال صفحاته الإلكترونية ومدوناته، بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي. هذا سيمكن الأفراد الذين خارج منطقة الشرقية من التفاعل مع المركز والاستفادة من معرفته وأنشطته الثقافية.

  • المكتبة

في مكتبة المركز، لا نجد مجرد صفوف من الكتب المرصوفة على الرفوف، بل نجد تجربة تفاعلية تثري المعرفة وتحفز الاكتشاف. عندما تفتح أبوابها لأول مرة، ستكون المكتبة موطنًا ل أكثر من 220,000 كتاب باللغتين العربية والإنجليزية، وتمتلك القدرة على استيعاب نصف مليون كتاب ودورية ودراسة رقمية. تضم المكتبة أيضًا مرافق خاصة للبحث الأكاديمي في مجالات مختلفة، فضلاً عن أنها المكان الذي تستضيف فيه المبادرات الثقافية مثل مسابقة القراءة الوطنية "اقرأ"، والمحاضرات والندوات التي تجمع الكتّاب والمفكرين.

يعمل الفريق بجدية على تجديد وتطوير محتوى المكتبة باستمرار لخدمة جميع أفراد المجتمع. فقد أجرى فريقها دراسة شاملة لأنماط القراءة في المملكة، شملت استطلاعًا لآراء 18,000 شخص من مختلف مناطق البلاد. استنادًا إلى هذه الدراسة، وضعت سياسة إثراء تهدف إلى توفير الكتب وتطوير البرامج التعليمية بما يتناسب مع احتياجات المجتمع.

  • مختبر الأفكار

مختبر الأفكار هو مكان يحلم به كل مخترع ورواد الأعمال الطموحين. يوفر هذا المختبر بيئة مثالية للمبتكرين لتطوير أفكارهم وتحويلها إلى نماذج أولية ومنتجات قابلة للتسويق. يتبع المختبر منهجًا مبتكرًا يركز على المشاريع ويوفر المعرفة العملية لأولئك الذين يسعون للعمل في مجالات متنوعة مثل الفنون، العلوم، والتقنية. من خلال ورش العمل التدريبية والإرشادية، يتم تفعيل الأفكار الإبداعية وتحويلها إلى خدمات ومنتجات قيمة.

  • متحف الطفل

متحف الطفل هو المكان الأول من نوعه في المملكة العربية السعودية، حيث يستهدف الأطفال من سن الولادة وحتى ١٢ عامًا، بهدف تنمية قدراتهم العقلية منذ الصغر من خلال تجارب تفاعلية وممتعة. يتيح المتحف للأطفال استكشاف قدراتهم وتطوير فضولهم من خلال الأنشطة التعليمية وبناء الثقة. ويُعرف المتحف أيضًا بتعريف الأطفال بالثقافات حول العالم من خلال الدراما والتمثيل في "كهف الحكايات"، ومن خلال قصص الأطفال العالمية التي يحكونها بأنفسهم في معرض "عالمنا". كما يتيح المتحف استكشاف الحياة البحرية والبيئة من خلال معارض تضم حيوانات ونباتات حقيقية.

  • المتحف

يقدم المتحف تجربة فريدة تمتزج فيها أروع مظاهر الثقافة السعودية والعالمية من خلال أربع معارض مميّزة. يركّز كل معرض على موضوع محدد، مهيّئاً عقول الزوار لاستقبال أفكار وتجارب جديدة في التعبير الثقافي. ينطلق الزائرون في رحلة استكشافية عبر العصور، تبدأ بالفن السعودي المعاصر، وتمر بالهوية والتراث السعودي، وتتوقف عند الفن والتراث الإسلامي، لتختم بجولة في التاريخ الطبيعي لشبه الجزيرة العربية. تتضافر المعارض الأربعة مع برامج متنوعة من محاضرات وورش عمل وجولات إرشادية، تسلط الضوء على مختلف المواضيع بترتيب زمني يمتد من الحاضر إلى العمق التاريخي.

  • القاعة الكبرى 

في القاعة الكبرى، نجد نافذتنا المفتوحة إلى عالم مليء بالحياة الثقافية والفنية، حيث تتجمع المهرجانات والمعارض والمتاحف لتستقبل الزوار من مختلف أنحاء العالم. تُعَد هذه القاعة منبرًا مثاليًا لتبادل الثقافات وتقديم الابتكارات، حيث يتم تشجيع الحوار وتعزيز التفاعل بين الثقافات المختلفة، مما يسهم في تطوير مجتمع إبداعي ومتنوع. وفي إطار تلك الرؤية، يُعدُّ مسرح العروض الإبداعية محورًا مهمًا يقدم عروضًا فنية متنوعة تعزز القيم الثقافية والاجتماعية للمجتمع السعودي، بالإضافة إلى توفير فرص تدريبية للمواهب المحلية في مجالات الفن المسرحي، وصناعة الأفلام، والأدب الروائي، والفنون المختلفة، وذلك بهدف تحفيز التفكير الإبداعي وتعزيز الابتكار.

  • معرض الطاقة

معرض الطاقة يُعَدّ وجهة مميزة تقدم تجربة فريدة وتفاعلية لاستكشاف عالم البترول والطاقة والتقنيات المتعلقة به. يمكن للزوار خلال زيارتهم للمعرض تتبع رحلة النفط من مصدره في الأرض إلى وجهته النهائية لدى المستهلكين، مع فرصة لاكتشاف أحدث الابتكارات والمبادرات في مجال ترشيد استخدام الطاقة وإدارتها، بالإضافة إلى استكشاف مجالات الطاقة البديلة الحديثة.

يسعى المركز إلى إشراك المجتمع المحلي من خلال تقديم برامج مجتمعية متنوعة قبل افتتاحه الرسمي، تشمل برامج مثل "أتألق" و "أكتشف"، إلى جانب مسابقة القراءة الوطنية "أقرأ"، جائزة إثراء للإعلام الجديد، وملتقى إثراء الشباب. بالإضافة إلى ذلك، يقدم المعرض برامج أخرى مثل فاب لاب الظهران وبرنامج إثراء للعروض الأدائية والمسرحية، بالإضافة إلى برنامج "إثراء المعرفة" الذي حظي بشهرة واسعة.

استنتاج أخير

بوصفه رمزًا للتفاني في خدمة المجتمع والثقافة، يبرز مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي كأحد أبرز مبادرات الشركة التي تتجلى رؤيتها الطموحة في بناء مجتمع متعلم ومتطور. يعتبر هذا المركز ليس مجرد مبنى، بل موطنًا للإلهام والتواصل بين الثقافات، حيث يتجسد من خلاله تعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي بين شعوب العالم. ومن خلال دوره الحيوي في تحفيز الاهتمام بالمعرفة وتعزيز روح الإبداع والابتكار، يتوقع أن يلعب المركز دورًا محوريًا في تشكيل مستقبل مشرق للمملكة، حيث يتمثل هذا المستقبل في تحقيق رؤية طموحة لمجتمع متعلم ومتقدم، يشارك فيه الجميع بفخر واعتزاز في بناء جسور الفهم والتواصل الثقافي بين الأمم.